عندما قامت النائبة «ألكساندريا أوكاسيو-كورتز» (ديمقراطية –نيويورك) بجولة في منشأة تابعة لهيئة الجمارك وحماية الحدود تحتجز الأطفال المهاجرين على الحدود، واجهت مقاومة. فهي تقول إنها شاهدت حراساً مسلحين «يضحكون أمام أعضاء الكونجرس» الذين كانوا هناك لمتابعة تقارير عن حدوث انتهاكات خطيرة لحقوق الإنسان.
إن استياء المشرعين من إشراف الحكومة الفيدرالية لا يكاد يكون جديداً. فقد كافح «جورج واشنطن»، كرئيس لدولة جديدة متورطة في نزاعات حدودية عنيفة، وحكومته والكونجرس، من أجل وضع استراتيجيات للإبقاء على المسؤولين المحليين تحت السيطرة. ومع وجود موازنة محدودة، وعدد صغير من المسؤولين الفيدراليين تحت تصرفها، اعتمدت إدارة واشنطن على حكومات الولايات لإنفاذ القانون على المستوى المحلي.
لكن عندما ارتكبت «ميليشيات» الدولة فظائع ضد السكان الأصليين، رفض الرئيس والكونجرس تجاهل الأعمال غير الدستورية وغير القانونية التي يقوم بها المسؤولون على الحدود. إن اللحظة الحالية خطيرة للغاية، إذ هناك اليوم العديد من المسؤولين غير المبالين بالمعاملة غير القانونية والقاسية للمهاجرين ولا بالتخلص من انتهاكات القانون.
قبل وأثناء وبعد الثورة الأميركية، تدفق المستعمرون البيض على مناطق السكان الهنود الحمر الأصليين واستقروا بصورة غير قانونية فيها، ما أدى إلى مواجهة عنيفة سقط فيها قتلى وجرحى كثيرون. وسعى الملك جورج الثالث إلى وقف الحركة المتجهة غرباً من خلال الإعلان الملكي لعام 1763، والذي حظر الاستيطان غرب جبال الأبلاش. وبعد حرب الاستقلال، حاول الكونجرس الكونفيدرالي منع حكومات الولايات والمستوطنين الأفراد من التعدي على أراضي الهنود وأكد حقه في تنظيم التفاعلات مع السكان الأصليين.
لكن قبل التصديق على الدستور، لم تحقق هذه السياسات سوى القليل من النجاح. وبموجب مواد الكونفدرالية، كان الكونجرس يفتقر إلى المال والسلطة التنفيذية لفرض قوانينه في الولايات.
وعندما أصبح جورج واشنطن رئيساً عام 1789، كان هو ووزير الحرب «هنري نوكس» حريصين على فرض جدار الفصل بين المستوطنين البيض والشعوب الأصلية. وللقيام بهذا، عملوا من خلال الأطر القانونية التي تم تأسيسها حديثاً في الاتحاد. وأعطى الدستور الحكومة الفيدرالية حق «الانخراط في الحرب» وإبرام معاهدات ملزمة مع السكان الأصليين. وفي عام 1790، أصدر الكونجرس أول قانون يمنع البيض من شراء أراضي الهنود أو الاتجار معهم من دون إذن فيدرالي. ولتطبيق هذا القانون، اعتمدت الحكومة الفيدرالية على مسؤولي الشؤون الهندية والوكلاء المحليين.
وسلك المسؤولون في هذه الفترة خطاً دقيقاً بين تطبيق القانون الفيدرالي والاندماج مع المجتمعات المحلية التي يعملون فيها. وكما ذكر المؤرخ «جوثام راو»، في أحد أعماله حول جمع الضرائب للحكومة الفيدرالية، كان مسؤولو الجمارك يقيمون علاقات مع التجار المحليين الأقوياء الذين ينظمون تجارتهم. واعتمدت واشنطن وحكومتها أيضاً على حكومات الولايات لتطبيق القانون الفيدرالي.
وفي جورجيا، أدى ذلك إلى ارتكاب فظائع غير قانونية. وخلال السنوات الخمس الأولى لرئاسة جورج واشنطن، شنت ميليشيات ولاية جورجيا هجمات خارج نطاق القانون على أحياء ومدن الهنود وقتلت أفراداً من قبيلة «كريك» الهندية. وردت القبيلة بسرقة متجر، ما أسفر عن مقتل بعض البيض والقبض على آخرين.
وبسبب المسافة الكبيرة من سافانا في فيلاديلفيا، فقد مرت أسابيع قبل أن تصل الأخبار إلى مكتب الرئيس جورج واشنطن، الذي اجتمع مع حكومته لإعداد استجابة مناسبة، في محاولة لمنع الحرب الشاملة. ونظراً لأن جورجيا وأراضي الكريك تقعان على حدود الإمبراطورية الإسبانية في فلوريدا، طلب واشنطن من حاكم جورجيا «إدوارد تالفير» عدم السماح للأطراف المسلحة بدخول منطقة الكريك.
لكن تحذير واشنطن وصل متأخراً، واستدعى تالفير ميليشيات للرد على الكريك حتى قبل أن تصل تعليمات واشنطن إلى جورجيا. وغضب الرئيس لتجاهل أوامره وللاستهانة بالقانون الفيدرالي. لكن تالفير استمر في هجماته ضد الكريك. ولم يكن واشنطن يهتم برفاهية الكريك، وإنما باحترام سيادة القانون.
وفي ذلك يكمن الفرق، حيث أظهرت إدارة ترامب ازدراءً لكلٍ من سيادة القانون وحقوق الإنسان. وبينما يسعى أعضاء الكونجرس إلى مزيدٍ من الرقابة والتحقيق في ظروف وحقيقة احتجاز المهاجرين، عليهم أن يتذكروا رد فعل جورج واشنطن على الفظائع التي ارتكبتها ميليشيات ولاية جورجيا والتنديد بها كانتهاك لقوانيننا وقيمنا.
*باحثة في التاريخ بجامعة أوكسفورد
ينشر بترتيب خاص مع خدمة «واشنطن بوست وبلومبيرج نيوز سيرفس»
إن استياء المشرعين من إشراف الحكومة الفيدرالية لا يكاد يكون جديداً. فقد كافح «جورج واشنطن»، كرئيس لدولة جديدة متورطة في نزاعات حدودية عنيفة، وحكومته والكونجرس، من أجل وضع استراتيجيات للإبقاء على المسؤولين المحليين تحت السيطرة. ومع وجود موازنة محدودة، وعدد صغير من المسؤولين الفيدراليين تحت تصرفها، اعتمدت إدارة واشنطن على حكومات الولايات لإنفاذ القانون على المستوى المحلي.
لكن عندما ارتكبت «ميليشيات» الدولة فظائع ضد السكان الأصليين، رفض الرئيس والكونجرس تجاهل الأعمال غير الدستورية وغير القانونية التي يقوم بها المسؤولون على الحدود. إن اللحظة الحالية خطيرة للغاية، إذ هناك اليوم العديد من المسؤولين غير المبالين بالمعاملة غير القانونية والقاسية للمهاجرين ولا بالتخلص من انتهاكات القانون.
قبل وأثناء وبعد الثورة الأميركية، تدفق المستعمرون البيض على مناطق السكان الهنود الحمر الأصليين واستقروا بصورة غير قانونية فيها، ما أدى إلى مواجهة عنيفة سقط فيها قتلى وجرحى كثيرون. وسعى الملك جورج الثالث إلى وقف الحركة المتجهة غرباً من خلال الإعلان الملكي لعام 1763، والذي حظر الاستيطان غرب جبال الأبلاش. وبعد حرب الاستقلال، حاول الكونجرس الكونفيدرالي منع حكومات الولايات والمستوطنين الأفراد من التعدي على أراضي الهنود وأكد حقه في تنظيم التفاعلات مع السكان الأصليين.
لكن قبل التصديق على الدستور، لم تحقق هذه السياسات سوى القليل من النجاح. وبموجب مواد الكونفدرالية، كان الكونجرس يفتقر إلى المال والسلطة التنفيذية لفرض قوانينه في الولايات.
وعندما أصبح جورج واشنطن رئيساً عام 1789، كان هو ووزير الحرب «هنري نوكس» حريصين على فرض جدار الفصل بين المستوطنين البيض والشعوب الأصلية. وللقيام بهذا، عملوا من خلال الأطر القانونية التي تم تأسيسها حديثاً في الاتحاد. وأعطى الدستور الحكومة الفيدرالية حق «الانخراط في الحرب» وإبرام معاهدات ملزمة مع السكان الأصليين. وفي عام 1790، أصدر الكونجرس أول قانون يمنع البيض من شراء أراضي الهنود أو الاتجار معهم من دون إذن فيدرالي. ولتطبيق هذا القانون، اعتمدت الحكومة الفيدرالية على مسؤولي الشؤون الهندية والوكلاء المحليين.
وسلك المسؤولون في هذه الفترة خطاً دقيقاً بين تطبيق القانون الفيدرالي والاندماج مع المجتمعات المحلية التي يعملون فيها. وكما ذكر المؤرخ «جوثام راو»، في أحد أعماله حول جمع الضرائب للحكومة الفيدرالية، كان مسؤولو الجمارك يقيمون علاقات مع التجار المحليين الأقوياء الذين ينظمون تجارتهم. واعتمدت واشنطن وحكومتها أيضاً على حكومات الولايات لتطبيق القانون الفيدرالي.
وفي جورجيا، أدى ذلك إلى ارتكاب فظائع غير قانونية. وخلال السنوات الخمس الأولى لرئاسة جورج واشنطن، شنت ميليشيات ولاية جورجيا هجمات خارج نطاق القانون على أحياء ومدن الهنود وقتلت أفراداً من قبيلة «كريك» الهندية. وردت القبيلة بسرقة متجر، ما أسفر عن مقتل بعض البيض والقبض على آخرين.
وبسبب المسافة الكبيرة من سافانا في فيلاديلفيا، فقد مرت أسابيع قبل أن تصل الأخبار إلى مكتب الرئيس جورج واشنطن، الذي اجتمع مع حكومته لإعداد استجابة مناسبة، في محاولة لمنع الحرب الشاملة. ونظراً لأن جورجيا وأراضي الكريك تقعان على حدود الإمبراطورية الإسبانية في فلوريدا، طلب واشنطن من حاكم جورجيا «إدوارد تالفير» عدم السماح للأطراف المسلحة بدخول منطقة الكريك.
لكن تحذير واشنطن وصل متأخراً، واستدعى تالفير ميليشيات للرد على الكريك حتى قبل أن تصل تعليمات واشنطن إلى جورجيا. وغضب الرئيس لتجاهل أوامره وللاستهانة بالقانون الفيدرالي. لكن تالفير استمر في هجماته ضد الكريك. ولم يكن واشنطن يهتم برفاهية الكريك، وإنما باحترام سيادة القانون.
وفي ذلك يكمن الفرق، حيث أظهرت إدارة ترامب ازدراءً لكلٍ من سيادة القانون وحقوق الإنسان. وبينما يسعى أعضاء الكونجرس إلى مزيدٍ من الرقابة والتحقيق في ظروف وحقيقة احتجاز المهاجرين، عليهم أن يتذكروا رد فعل جورج واشنطن على الفظائع التي ارتكبتها ميليشيات ولاية جورجيا والتنديد بها كانتهاك لقوانيننا وقيمنا.
*باحثة في التاريخ بجامعة أوكسفورد
ينشر بترتيب خاص مع خدمة «واشنطن بوست وبلومبيرج نيوز سيرفس»